الكفايات والوضعيات في مجال التربية والتعليم
إذا كانت بيداغوجية الأهداف تجزيئية وهرمية ولا سياقية، فإن بيداغوجية الكفايات سياقية وشاملة و مندمجة ووظيفية. وتعد الوضعيات من أهم العناصر التي ترتكز عليها الكفاية، ومن أهم محكاتها الجوهرية لتقويمها إنجازا وأداء ومؤشرا. ولايمكن تصور الكفايات بدون الوضعيات تماما؛ لأنها هي التي تجعل من الكفاية وظيفة لا سلوكا، وهي التي تحكم على أهلية القدرات و مدى ملاءمتها للواقع وصلاحيتها للتكيف مع الموضوع أو فشلها في إيجاد الحلول للمشاكل المعيقة.
1- تعريف الكفـــــــــاية:
قبل تعريف الوضعية، علينا أن نعرف الكفاية والمقصود بها لكي تتضح دلالات مفهومنا الديداكتيكي الذي نريد الخوض فيه، وهكذا تعرف الكفاية عند جيلي بأنها ” نظام من المعارف المفاهيمية ( الذهنية) والمهارية ( العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية، تمكن في إطار فئة من الوضعيات، من التعرف على المهمة – الإشكالية وحلها بنشاط وفعالية”(1). وتعرف الكفاية كذلك على أنها ” هدف- مرمى متمركزة حول البلورة الذاتية لقدرة التلميذ على الحل الجيد للمشاكل المرتبطة بمجموعة من الوضعيات، باعتماد معارف مفاهيمية ومنهجية مندمجة وملائمة”(2). ويعرفها فيليب پيرنو بأنها” القدرة على تعبئة مجموعة من الموارد المعرفية( معارف، قدرات، معلومات، الخ) بغية مواجهة جملة من الوضعيات بشكل ملائم وفعال”(3). ويرى د. محمد الدريج أن هذه الكفايات” ينظر إليها على أنها إجابات عن وضعيات- مشاكل تتألف منها المواد الدراسية”(4). وفي رأيي، أن الكفاية هي مجموعة من القدرات والمهارات والمعارف يتسلح بها التلميذ لمواجهة مجموعة من الوضعيات والعوائق والمشاكل التي تستوجب إيجاد الحلول الناجعة لها بشكل ملائم وفعال.
ويظهر لنا من مجموعة من التعاريف للكفاية أنها تنبني على عناصر أساسية يمكن حصرها في:
1- القدرات والمهارات؛
2- الإنجاز أو الأداء؛
3- الوضعية أو المشكل؛
4- حل الوضعية بشكل فعال وصائب؛
5- تقويم الكفاية بطريقة موضوعية.
وهكذا، يبدو لنا أن الكفاية مرتبطة أشد الارتباط بالوضعية/ الإشكال، أي أن الكفاية قائمة على إنجاز المهمات الصعبة وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة في الواقع الموضوعي. إذا، فالعلاقة الموجودة بين الكفاية والوضعية هي علاقة استلزام اختباري وتقييمي وديداكتيكي.
2 الوضــعية والــسياق:
إذا تصفحنا معاجم اللغة العربية كلسان العرب والمعجم الوسيط فإننا لا نجد كلمة الوضعية بهذه الصيغة؛ بل نجد كلمة وضع موضعا ومواضع الدالة على الإثبات في المكان، أي أن الوضعية بمثابة إطار مكاني للذات والشيء.(5) ولكن في اللغات الأجنبية نجد حضورا لهذا المفهوم بشكل واضح ومحدد. ففي معجم أكسفورد الإنجليزي نجد أن الوضعية تعني ” معظم الظروف والأشياء التي تقع في وقت خاص وفي مكان خاص”(6)، وتقترن الوضعية بدلالة أخرى وهي السياق الذي هو” عبارة عن وضعية يقع فيها شيء، وتساعدك بالتالي على فهمه”(7). أما معجم روبير فيرى أن الوضعية هي ” أن تكون في مكان أو حالة حيث يوجه الشيء أو يتموقع” ( أي أن الوضعية هي التموقع المكاني أو الحالي في مكان أو وضع ما، بينما يحدد السياق في هذا المعجم على أنه ” مجموعة من الظروف التي تحيط بالحدث”( 9).
ويمكن أن نفهم من كل هذا أن الوضعية هي مجموعة من الظروف المكانية والزمنية والحالية التي تحيط بالحدث وتحدد سياقه. وقد تتداخل الوضعية مع السياق والظروف والعوائق والمواقف والمشكلات والمشاكل والصعوبات والاختبارات والمحكات والحالة والواقع والإطار والإشكالية…الخ.
وتعرف الوضعية في مجال التربية والديداكتيك بأنها” وضعية ملموسة تصف، في الوقت نفسه، الإطار الأكثر واقعية، والمهمة التي يواجه التلميذ من أجل تشغيل المعارف المفاهيمية والمنهجية الضرورية، لبلورة الكفاية والبرهنة عليها”(10). أي أن الوضعية واقعية ملموسة يواجهها التلميذ بقدراته ومهاراته وكفاءاته عن طريق حلها. والوضعيات ليست سوى التقاء عدد من العوائق والمشاكل في إطار شروط وظروف معينة. إن الوضعية- حسب د. محمد الدريج- ” تطرح إشكالا عندما تجعل الفرد أمام مهمة عليه أن ينجزها، مهمة لا يتحكم في كل مكوناتها وخطواتها، وهكذا يطرح التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم، بحيث يشكل مجموع القدرات والمعارف الضرورية لمواجهة الوضعية وحل الإشكال، ما يعرف بالكفاية”(11). ونفهم من هذا، أن الوضعية هي مجموعة من المشاكل والعوائق والظروف التي تستوجب إيجاد حلول لها من قبل المتعلم للحكم على مدى كفاءته وأهليته التعليمية / التعلمية والمهنية. وتعتبر المواد الدراسية مجموعة من المشاكل والوضعيات، ولاسيما أنه ينبغي أن نعد التلميذ للحياة والواقع لمواجهة التحديات والصعوبات التي يفرضها عالمنا اليوم، وأن يتعلم الحياة عن طريق الحياة؛ وألا يبقى التلميذ رهين النظريات المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي أو حبيس الفصول الدراسية والأقسام المغلقة والمسيجة بالمثاليات والمعلومات التي تجاوزها الواقع أو التي أصبحت غير مفيدة للإنسان. أي أن فلسفة الوضعيات مبنية على أسس البراجماتية كالمنفعة والإنتاجية والمردودية والفعالية والفائدة المرجوة من المنتوج، والإبداعية، وهو تصور الفلسفة الذرائعية لدى جيمس جويس وجون ديوي وبرغسون والثقافة الأنجلو سكسونية بصفة عامة.
3/ ســــياق بيداغوجية الوضـــعيات:
لايمكن فهم الوضعيات إلا إذا وضعناها في سياقها الاجتماعي والتاريخي، وهو نفس سياق بيداغوجية الكفايات، إذ استلزم التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر منذ منتصف القرن العشرين توفير أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل الآلة بكل أنماطها؛ مما دفع بالمجتمع الغربي ليعيد النظر في المدرسة وطبيعتها ووظيفتها وذلك بربطها بالواقع والحياة وسوق الشغل لمحاربة البطالة والفشل المدرسي واللامساواة الاجتماعية. ويعني هذا ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية والعولمة والقدرة التنافسية المحمومة. أي على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع لتغييرهما وإمدادهما بالأطر المدربة والكفئة والمتميزة، فلا قيمة للمعارف والمحتويات الدراسية إذا لم تقترن بما هو وظيفي ومهني وتقني وحرفي. إذا، كل هذه العوامل هي التي كانت وراء عقلنة المناهج التربوية وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية تأطيرية وإبداعية.
وقد حاولت دول العالم الثالث ، بما فيها الدول العربية ( تونس والمغرب وسلطنة عمان مثلا)، أن تتمثل هذا النموذج التربوي القائم على بيداغوجية الكفايات والوضعيات لمسايرة المستجدات العالمية ومتطلبات السوق اللبرالية وتفادي البطالة والثورات الاجتماعية وظاهرة الهجرة بكل أنواعها، وحاولت تبيئتها في مدارسها لخلق الجودة والعقلانية وتحصيل المردودية الفعالة. وبذلك أصبحت التربية تابعة للسياسة الاقتصادية للدولة وظروفها الاجتماعية والتمويلية. ويقول رائعو هيرت في هذا الصدد:”ما هو إذا عالم اليوم هذا ؟ يتميز محيطنا الاقتصادي بعنصرين اثنين : أولا تقلب بالغ وثنائية اجتماعية قوية. ينجم عن احتدام الصراعات التنافسية وإعادة الهيكلة وإغلاق المصانع وترحيل وحدات الإنتاج، واللجوء المتسارع إلى اختراعات تكنولوجية زائلة أكثر فأكثر( سواء في مجال الإنتاج أو في مجال الاستهلاك). وفي هذا السياق تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل في المرونة: أي مرونة سوق العمل ومرونة العامل المهنية والاجتماعية ومرونة أنظمة التربية والتكوين وقابلية تكيف المستهلك.
مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس المؤهلات، أي على أساس الشواهد. وتمثل الشهادة جملة معارف ومهارات معترف بها، تخضع لمفاوضات جماعية وتخول حقوقا بشأن الأجور وشروط العمل أو الحماية الاجتماعية. ولإتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة، بات أرباب العمل يسعون لتدمير هذا الثنائي المتصلب: مؤهلات- شواهد، واستبداله بالثنائي كفايات- شواهد مبنية على وحدات تكوين( مصوغات أو مجزوءات )”(12).Modulaire
4/ أنــواع الوضعـــــيات:
إن الوضعيات مجموعة من الأطر والمؤشرات والظروف السياقية التي تحدد المشكلات والعوائق والصعوبات التي تواجه التلميذ المتسلح بمجموعة من المعارف والقدرات والكفايات الوظيفية قصد حلها والحصول على إجابات وافية وصحيحة للبرهنة على صدق هذه الكفايات والقدرات المكتسبة عبر مجموعة من التعلمات المدرسية المنجزة مسبقا. ويمكن أن نضع التلميذ أمام عدة وضعيات تبرز طبيعة الكفاية لدى التلميذ، وهذه هي التي ستحدد لنا أنماط الوضعيات – المشاكل على مستوى مؤشرات الأطر السياقية:
1- الوضعية المكانية:
- أن يكون التلميذ قادرا على كتابة الإنشاء داخل القسم؛
– أن يكون قادرا على إجراء التجربة داخل المختبر.
2- الوضعية الزمنية:
- أن يكون التلميذ قادرا على كتابة قصيدة شعرية في ساعتين؛
– أن يقطع التلميذ مسافة 40 كلم في ساعتين.
3- الوضعية الحالية:
- أن يمثل التلميذ هذا الدور المسرحي بطريقة كوميدية؛
- أن يسبح التلميذ على ظهره في مسبح المدرسة.
4- الوضعية الأداتية أو الوسائلية:
- أن يكتب التلميذ نصا من ألف كلمة بواسطة الكمبيوتر؛
- أن يقفز التلميذ بواسطة الزانة.
5- الوضعية الحدثية أو المهارية:
- أن يكون التلميذ قادرا على إنجاز تقطيع هذا البيت الشعري وتحديد بحره؛
- أن يكون التلميذ قادرا على إصلاح الآلة الموجودة فوق الطاولة.
6- الوضعية التواصلية:
- أن يكون قادرا على استخدام أسلوب التحذير، وهو يتكلم بالإسبانية مع شخص يدخن سيجارة في الحافلة؛
- أن يكون قادرا على التواصل بالإنجليزية، وهو يكتب رسالة إلى صديقة البريطاني في لندن.
و يمكن أن نحدد أنواعا أخرى من الوضعيات الموقفية قياسا على ما ذهب إيريبان إليه (13) في تصنيفه للكفايات:IRIBANE
1- وضعيات التقليد والمحاكاة:
ترتكز على مهمات التقليد وإعادة المعارف والمهارات المكتسبة عن طريق التطبيق والمماثلة والحفظ والآلية والإعادة ( وضعيات الاجترار).
2- وضعيات التحويل:
تنطلق من وضعية معينة من العمل لتطبيقها على وضعيات غير متوقعة لكن قريبة، وذلك بالتفكير بالمثل والاستفادة من الوضعيات السابقة لحل الصعوبات عن طريق تحويلها لإيجاد الحلول المناسبة( وضعيات الاستفادة والامتصاص).
3- وضعيات التجديد:
تنطلق من مواجهة مشاكل وصعوبات وعراقيل جديدة وتقديم حلول مناسبة لها. ( وضعيات الحوار و الإبداع).
ويمكن تصنيف الوضعيات من الناحية التقويمية المعيارية على النحو التالي:
1- وضعية أولية:
يتم طرح مجموعة من الوضعيات الإشكالية للتلميذ أثناء بداية الدرس أو قبل الشروع فيه إما في شكل مراجعة وإما في شكل إثارة قدراته الذاتية والمهارية.
2- وضعية وسيطية:
يقوم التلميذ أثناء التعلم والتكوين وفي وسط دراسة المجزوءة للتأكد من قدرات التلميذ التعلمية والمفاهيمية والمهارية.
3- وضعية نهائية:
يواجهها التلميذ في نهاية الدرس، وهي التي تحكم على التلميذ إن كان كفئا أم لا؟ وهل تحققت عنده الكفاية أم لا؟ وهل أصبح قادرا على مواجهة الصعوبات والوضعيات الإشكالية والمواقف الواقعية؟ وهل تحقق الهدف المبتغى والغاية المنشودة من التكوين والتعلم الذاتي أم لا؟
وهذه الوضعيات تتناسب تماثليا مع التقويم الأولي والتكويني والإجمالي في إطار العملية التعليمية – التعلمية.
ومن حيث المحتوى، فهناك وضعيات معرفية ( ثقافية)، ووضعيات منهجية، ووضعيات تواصلية، ووضعيات وجدانية أخلاقية، ووضعيات حركية، ووضعيات مهنية تقنية…
5 / خصائص الوضــعية- المشكل:
مجموعة من الخصائص التي يجب أن تتميز بها ASTOLFI حد د
وضعية المشكل الجيدة، نذكر منها(14):
1- ينبغي أن تحدد الوضعية عائقا ينبغي حله؛
2- أن تكون الوضعية حقيقية ملموسة وواقعية تفرض على التلميذ صياغة فرضيات وتخمينات؛
3- تشبه هذه الوضعية لغزا حقيقيا ينبغي حله و مواجهته بالقدرات المكتسبة؛
4- تكون ذات خصوصية تحدد مجال فعل الكفاية؛
5- توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ؛
6- تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات تساهم في تكوين الكفاية في شتى مستوياتها المعرفية والحركية والوجدانية؛
7- تتشابه مع وضعية حقيقية يمكن أن تواجه الأفراد خارج المدرسة، ضمن الحياة المهنية أو الحياة الخاصة؛
8- يعد للتلميذ مشكلا حقيقيا لا يكون فيه الحل بديهيا؛
9- تشكل الوضعية فرصة يثري فيها التلميذ خبراته؛
10- تحدد الوضعية وفق المستوى المعرفي للتلميذ.
6/ أهمية الوضعيات- المشـــاكل:
للوضعيات أهمية كبيرة في اختبار المناهج الدراسية وتقييم المدرسة والتمييز بين التقليدية والجديدة منها، ومعرفة المدرسة المنغلقة من الوظيفية. إن الوضعيات بيداغوجية الكفاءة والمردودية وإبراز القدرات والمهارات والمواهب المضمرة والظاهرة. إنها تربية المشاكل والحلول والتعلم الذاتي وتجاوز الطرائق التقليدية القائمة على التلقين والحفظ وتقديم المعرفة والمحتويات بواسطة المدرس إلى التلميذ السلبي. كما أن تربية الوضعيات هي التي تفرز الكفاءات والقدرات العقلية وتربط المدرسة بالواقع وسوق الشغل ليس من خلال الشواهد – المؤهلات بل من خلال الشواهد – الكفايات. بيد أن هذه الوضعيات والكفايات ليست عصا سحرية لمعالجة كل مشاكل وزارات التربية والتعليم كاكتظاظ التلاميذ في الفصول الدراسية، وتكوين المدرسين، وإيجاد الحلول المناسبة للوضعية الاجتماعية للمدرسين، وتوفير الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية، بل إن طريقة التعليم بالكفايات والوضعيات طريقة بيداغوجية لعقلنة العملية الديداكتيكية وتفعيلها بطريقة علمية موضوعية على أسس معيارية وظيفية وربط المدرسة بالحياة والشغل وسوق العمل وحاجيات أرباب العمل والمنافسة ومقتضيات العولمة، وكل هذا يتطلب تغيير عقلية الإدارة والمدرس والتلميذ والآباء والمجتمع كله. ولا ينبغي أن تبقى الوضعيات والكفايات في إطارها الشكلي أو بمثابة موضة عابرة أو حبيسة مقدمات الكتب المدرسية وتوجيهات البرامج الدراسية وفلسفتها البعيدة كغايات ومواصفات مثالية نظرية بدون تطبيق أو ممارسة فعلية وميدانية. وهنا أستحضر قولة معبرة بكل وضوح لما نريد أن نقصده لمبلور الكفايات فيليب پيرنو:”إذا ظلت المقاربة بالكفايات على مستوى الخطاب لهثا وراء الموضة، فإنها ستغير النصوص لتسقط في النسيان… […] أما إذا كانت تطمح إلى تغيير الممارسات، فستصبح إصلاحا من “النمط الثالث” لا يستغني عن مساءلة معنى المدرسة وغايتها”(15).”
المراجـــع والمـــــصادر:
1 – GILLET , P : « L’ utilisation des objectifs en formation , contexte et évolution » Education permanent , Nr :85 , octobre 1986 , p :17-37 ;
2- بيير ديشي: تخطيط الدرس لتنمية الكفايات، ترجمة عبد الكريم غريب، منشورات عالم التررية، مطبعة دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2003، ص: 121؛
3- باولا جونتيل وروبيرتا بنتشيني بناء الكفايات: مقابلة مع فليب پيرنو)، الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة، تعريب: محمد العمارتي والبشير اليعكوبي، مطبعة أكدال، الرباط، ط1، 2004، ص:41؛
4- د. محمد الدريج: الكفايات في التعليم، المعرفة للجميع، أكتوبر 2000، العدد16، ص: 61؛
5- ابن منظور: لسان اللسان، ج 2، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1ن 1993، ص:743؛ والمعجم الوسيط لأحمد حسن الزيات وآخرين، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا، ص: 1039؛
6- Oxford advanced learner’s, Dictionary Oxford university press 2000 ; p : 1109 ;
7- Ibid, p : 247 ;
8- Paul robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378 ;
9- Ibid, p : 1820 ;
10- بيير ديشي: تخطيط الدرس لتنمية الكفايات، ص:181؛
11- د. محمد الدريج: نفس المرجع السابق، ص: 60؛
12- رائعو هرت بصدد المقاربة عبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال أكفاء أم إلى مواطنين نقديين؟)، الكفايات في التدريس بين النظرية والممارسة، مطبعة أكدال ،الرباط،ط1/ 2004، ص:49/ 50؛
13- A regarder : A , IRRIBANE : « La compétitivité, Défi Social, Enjeu éducatif », CNRS, Paris, 1989 ;
14- Astolfi, j, p : « Placer les élèves en situation – problème ? », dans Probio revue, 16, 4, Bruxelles : Association des professeurs de biologie (ASBL) ,1993
15- حسن بوتكلاي مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)، الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة، مطبعة أكدال، الرباط، ط1، 2004، ص:24
إذا كانت بيداغوجية الأهداف تجزيئية وهرمية ولا سياقية، فإن بيداغوجية الكفايات سياقية وشاملة و مندمجة ووظيفية. وتعد الوضعيات من أهم العناصر التي ترتكز عليها الكفاية، ومن أهم محكاتها الجوهرية لتقويمها إنجازا وأداء ومؤشرا. ولايمكن تصور الكفايات بدون الوضعيات تماما؛ لأنها هي التي تجعل من الكفاية وظيفة لا سلوكا، وهي التي تحكم على أهلية القدرات و مدى ملاءمتها للواقع وصلاحيتها للتكيف مع الموضوع أو فشلها في إيجاد الحلول للمشاكل المعيقة.
1- تعريف الكفـــــــــاية:
قبل تعريف الوضعية، علينا أن نعرف الكفاية والمقصود بها لكي تتضح دلالات مفهومنا الديداكتيكي الذي نريد الخوض فيه، وهكذا تعرف الكفاية عند جيلي بأنها ” نظام من المعارف المفاهيمية ( الذهنية) والمهارية ( العملية) التي تنتظم في خطاطات إجرائية، تمكن في إطار فئة من الوضعيات، من التعرف على المهمة – الإشكالية وحلها بنشاط وفعالية”(1). وتعرف الكفاية كذلك على أنها ” هدف- مرمى متمركزة حول البلورة الذاتية لقدرة التلميذ على الحل الجيد للمشاكل المرتبطة بمجموعة من الوضعيات، باعتماد معارف مفاهيمية ومنهجية مندمجة وملائمة”(2). ويعرفها فيليب پيرنو بأنها” القدرة على تعبئة مجموعة من الموارد المعرفية( معارف، قدرات، معلومات، الخ) بغية مواجهة جملة من الوضعيات بشكل ملائم وفعال”(3). ويرى د. محمد الدريج أن هذه الكفايات” ينظر إليها على أنها إجابات عن وضعيات- مشاكل تتألف منها المواد الدراسية”(4). وفي رأيي، أن الكفاية هي مجموعة من القدرات والمهارات والمعارف يتسلح بها التلميذ لمواجهة مجموعة من الوضعيات والعوائق والمشاكل التي تستوجب إيجاد الحلول الناجعة لها بشكل ملائم وفعال.
ويظهر لنا من مجموعة من التعاريف للكفاية أنها تنبني على عناصر أساسية يمكن حصرها في:
1- القدرات والمهارات؛
2- الإنجاز أو الأداء؛
3- الوضعية أو المشكل؛
4- حل الوضعية بشكل فعال وصائب؛
5- تقويم الكفاية بطريقة موضوعية.
وهكذا، يبدو لنا أن الكفاية مرتبطة أشد الارتباط بالوضعية/ الإشكال، أي أن الكفاية قائمة على إنجاز المهمات الصعبة وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل المطروحة في الواقع الموضوعي. إذا، فالعلاقة الموجودة بين الكفاية والوضعية هي علاقة استلزام اختباري وتقييمي وديداكتيكي.
2 الوضــعية والــسياق:
إذا تصفحنا معاجم اللغة العربية كلسان العرب والمعجم الوسيط فإننا لا نجد كلمة الوضعية بهذه الصيغة؛ بل نجد كلمة وضع موضعا ومواضع الدالة على الإثبات في المكان، أي أن الوضعية بمثابة إطار مكاني للذات والشيء.(5) ولكن في اللغات الأجنبية نجد حضورا لهذا المفهوم بشكل واضح ومحدد. ففي معجم أكسفورد الإنجليزي نجد أن الوضعية تعني ” معظم الظروف والأشياء التي تقع في وقت خاص وفي مكان خاص”(6)، وتقترن الوضعية بدلالة أخرى وهي السياق الذي هو” عبارة عن وضعية يقع فيها شيء، وتساعدك بالتالي على فهمه”(7). أما معجم روبير فيرى أن الوضعية هي ” أن تكون في مكان أو حالة حيث يوجه الشيء أو يتموقع” ( أي أن الوضعية هي التموقع المكاني أو الحالي في مكان أو وضع ما، بينما يحدد السياق في هذا المعجم على أنه ” مجموعة من الظروف التي تحيط بالحدث”( 9).
ويمكن أن نفهم من كل هذا أن الوضعية هي مجموعة من الظروف المكانية والزمنية والحالية التي تحيط بالحدث وتحدد سياقه. وقد تتداخل الوضعية مع السياق والظروف والعوائق والمواقف والمشكلات والمشاكل والصعوبات والاختبارات والمحكات والحالة والواقع والإطار والإشكالية…الخ.
وتعرف الوضعية في مجال التربية والديداكتيك بأنها” وضعية ملموسة تصف، في الوقت نفسه، الإطار الأكثر واقعية، والمهمة التي يواجه التلميذ من أجل تشغيل المعارف المفاهيمية والمنهجية الضرورية، لبلورة الكفاية والبرهنة عليها”(10). أي أن الوضعية واقعية ملموسة يواجهها التلميذ بقدراته ومهاراته وكفاءاته عن طريق حلها. والوضعيات ليست سوى التقاء عدد من العوائق والمشاكل في إطار شروط وظروف معينة. إن الوضعية- حسب د. محمد الدريج- ” تطرح إشكالا عندما تجعل الفرد أمام مهمة عليه أن ينجزها، مهمة لا يتحكم في كل مكوناتها وخطواتها، وهكذا يطرح التعلم كمهمة تشكل تحديا معرفيا للمتعلم، بحيث يشكل مجموع القدرات والمعارف الضرورية لمواجهة الوضعية وحل الإشكال، ما يعرف بالكفاية”(11). ونفهم من هذا، أن الوضعية هي مجموعة من المشاكل والعوائق والظروف التي تستوجب إيجاد حلول لها من قبل المتعلم للحكم على مدى كفاءته وأهليته التعليمية / التعلمية والمهنية. وتعتبر المواد الدراسية مجموعة من المشاكل والوضعيات، ولاسيما أنه ينبغي أن نعد التلميذ للحياة والواقع لمواجهة التحديات والصعوبات التي يفرضها عالمنا اليوم، وأن يتعلم الحياة عن طريق الحياة؛ وألا يبقى التلميذ رهين النظريات المجردة البعيدة عن الواقع الموضوعي أو حبيس الفصول الدراسية والأقسام المغلقة والمسيجة بالمثاليات والمعلومات التي تجاوزها الواقع أو التي أصبحت غير مفيدة للإنسان. أي أن فلسفة الوضعيات مبنية على أسس البراجماتية كالمنفعة والإنتاجية والمردودية والفعالية والفائدة المرجوة من المنتوج، والإبداعية، وهو تصور الفلسفة الذرائعية لدى جيمس جويس وجون ديوي وبرغسون والثقافة الأنجلو سكسونية بصفة عامة.
3/ ســــياق بيداغوجية الوضـــعيات:
لايمكن فهم الوضعيات إلا إذا وضعناها في سياقها الاجتماعي والتاريخي، وهو نفس سياق بيداغوجية الكفايات، إذ استلزم التطور العلمي والتكنولوجي المعاصر منذ منتصف القرن العشرين توفير أطر مدربة أحسن تدريب لتشغيل الآلة بكل أنماطها؛ مما دفع بالمجتمع الغربي ليعيد النظر في المدرسة وطبيعتها ووظيفتها وذلك بربطها بالواقع والحياة وسوق الشغل لمحاربة البطالة والفشل المدرسي واللامساواة الاجتماعية. ويعني هذا ربط المدرسة بالمقاولة والحياة المهنية والعولمة والقدرة التنافسية المحمومة. أي على المدرسة أن تنفتح على الواقع والمجتمع لتغييرهما وإمدادهما بالأطر المدربة والكفئة والمتميزة، فلا قيمة للمعارف والمحتويات الدراسية إذا لم تقترن بما هو وظيفي ومهني وتقني وحرفي. إذا، كل هذه العوامل هي التي كانت وراء عقلنة المناهج التربوية وجعلها فعالة ناجعة ذات مردودية تأطيرية وإبداعية.
وقد حاولت دول العالم الثالث ، بما فيها الدول العربية ( تونس والمغرب وسلطنة عمان مثلا)، أن تتمثل هذا النموذج التربوي القائم على بيداغوجية الكفايات والوضعيات لمسايرة المستجدات العالمية ومتطلبات السوق اللبرالية وتفادي البطالة والثورات الاجتماعية وظاهرة الهجرة بكل أنواعها، وحاولت تبيئتها في مدارسها لخلق الجودة والعقلانية وتحصيل المردودية الفعالة. وبذلك أصبحت التربية تابعة للسياسة الاقتصادية للدولة وظروفها الاجتماعية والتمويلية. ويقول رائعو هيرت في هذا الصدد:”ما هو إذا عالم اليوم هذا ؟ يتميز محيطنا الاقتصادي بعنصرين اثنين : أولا تقلب بالغ وثنائية اجتماعية قوية. ينجم عن احتدام الصراعات التنافسية وإعادة الهيكلة وإغلاق المصانع وترحيل وحدات الإنتاج، واللجوء المتسارع إلى اختراعات تكنولوجية زائلة أكثر فأكثر( سواء في مجال الإنتاج أو في مجال الاستهلاك). وفي هذا السياق تتمثل إحدى أهم مساعي أرباب العمل في المرونة: أي مرونة سوق العمل ومرونة العامل المهنية والاجتماعية ومرونة أنظمة التربية والتكوين وقابلية تكيف المستهلك.
مازالت سوق العمل حاليا منظمة بشكل قوي على أسس المؤهلات، أي على أساس الشواهد. وتمثل الشهادة جملة معارف ومهارات معترف بها، تخضع لمفاوضات جماعية وتخول حقوقا بشأن الأجور وشروط العمل أو الحماية الاجتماعية. ولإتاحة دوران أكثر ليونة لليد العاملة، بات أرباب العمل يسعون لتدمير هذا الثنائي المتصلب: مؤهلات- شواهد، واستبداله بالثنائي كفايات- شواهد مبنية على وحدات تكوين( مصوغات أو مجزوءات )”(12).Modulaire
4/ أنــواع الوضعـــــيات:
إن الوضعيات مجموعة من الأطر والمؤشرات والظروف السياقية التي تحدد المشكلات والعوائق والصعوبات التي تواجه التلميذ المتسلح بمجموعة من المعارف والقدرات والكفايات الوظيفية قصد حلها والحصول على إجابات وافية وصحيحة للبرهنة على صدق هذه الكفايات والقدرات المكتسبة عبر مجموعة من التعلمات المدرسية المنجزة مسبقا. ويمكن أن نضع التلميذ أمام عدة وضعيات تبرز طبيعة الكفاية لدى التلميذ، وهذه هي التي ستحدد لنا أنماط الوضعيات – المشاكل على مستوى مؤشرات الأطر السياقية:
1- الوضعية المكانية:
- أن يكون التلميذ قادرا على كتابة الإنشاء داخل القسم؛
– أن يكون قادرا على إجراء التجربة داخل المختبر.
2- الوضعية الزمنية:
- أن يكون التلميذ قادرا على كتابة قصيدة شعرية في ساعتين؛
– أن يقطع التلميذ مسافة 40 كلم في ساعتين.
3- الوضعية الحالية:
- أن يمثل التلميذ هذا الدور المسرحي بطريقة كوميدية؛
- أن يسبح التلميذ على ظهره في مسبح المدرسة.
4- الوضعية الأداتية أو الوسائلية:
- أن يكتب التلميذ نصا من ألف كلمة بواسطة الكمبيوتر؛
- أن يقفز التلميذ بواسطة الزانة.
5- الوضعية الحدثية أو المهارية:
- أن يكون التلميذ قادرا على إنجاز تقطيع هذا البيت الشعري وتحديد بحره؛
- أن يكون التلميذ قادرا على إصلاح الآلة الموجودة فوق الطاولة.
6- الوضعية التواصلية:
- أن يكون قادرا على استخدام أسلوب التحذير، وهو يتكلم بالإسبانية مع شخص يدخن سيجارة في الحافلة؛
- أن يكون قادرا على التواصل بالإنجليزية، وهو يكتب رسالة إلى صديقة البريطاني في لندن.
و يمكن أن نحدد أنواعا أخرى من الوضعيات الموقفية قياسا على ما ذهب إيريبان إليه (13) في تصنيفه للكفايات:IRIBANE
1- وضعيات التقليد والمحاكاة:
ترتكز على مهمات التقليد وإعادة المعارف والمهارات المكتسبة عن طريق التطبيق والمماثلة والحفظ والآلية والإعادة ( وضعيات الاجترار).
2- وضعيات التحويل:
تنطلق من وضعية معينة من العمل لتطبيقها على وضعيات غير متوقعة لكن قريبة، وذلك بالتفكير بالمثل والاستفادة من الوضعيات السابقة لحل الصعوبات عن طريق تحويلها لإيجاد الحلول المناسبة( وضعيات الاستفادة والامتصاص).
3- وضعيات التجديد:
تنطلق من مواجهة مشاكل وصعوبات وعراقيل جديدة وتقديم حلول مناسبة لها. ( وضعيات الحوار و الإبداع).
ويمكن تصنيف الوضعيات من الناحية التقويمية المعيارية على النحو التالي:
1- وضعية أولية:
يتم طرح مجموعة من الوضعيات الإشكالية للتلميذ أثناء بداية الدرس أو قبل الشروع فيه إما في شكل مراجعة وإما في شكل إثارة قدراته الذاتية والمهارية.
2- وضعية وسيطية:
يقوم التلميذ أثناء التعلم والتكوين وفي وسط دراسة المجزوءة للتأكد من قدرات التلميذ التعلمية والمفاهيمية والمهارية.
3- وضعية نهائية:
يواجهها التلميذ في نهاية الدرس، وهي التي تحكم على التلميذ إن كان كفئا أم لا؟ وهل تحققت عنده الكفاية أم لا؟ وهل أصبح قادرا على مواجهة الصعوبات والوضعيات الإشكالية والمواقف الواقعية؟ وهل تحقق الهدف المبتغى والغاية المنشودة من التكوين والتعلم الذاتي أم لا؟
وهذه الوضعيات تتناسب تماثليا مع التقويم الأولي والتكويني والإجمالي في إطار العملية التعليمية – التعلمية.
ومن حيث المحتوى، فهناك وضعيات معرفية ( ثقافية)، ووضعيات منهجية، ووضعيات تواصلية، ووضعيات وجدانية أخلاقية، ووضعيات حركية، ووضعيات مهنية تقنية…
5 / خصائص الوضــعية- المشكل:
مجموعة من الخصائص التي يجب أن تتميز بها ASTOLFI حد د
وضعية المشكل الجيدة، نذكر منها(14):
1- ينبغي أن تحدد الوضعية عائقا ينبغي حله؛
2- أن تكون الوضعية حقيقية ملموسة وواقعية تفرض على التلميذ صياغة فرضيات وتخمينات؛
3- تشبه هذه الوضعية لغزا حقيقيا ينبغي حله و مواجهته بالقدرات المكتسبة؛
4- تكون ذات خصوصية تحدد مجال فعل الكفاية؛
5- توصف ضمن لغة واضحة ومفهومة من قبل التلميذ؛
6- تتطلب الوضعية معارف وقدرات ومهارات تساهم في تكوين الكفاية في شتى مستوياتها المعرفية والحركية والوجدانية؛
7- تتشابه مع وضعية حقيقية يمكن أن تواجه الأفراد خارج المدرسة، ضمن الحياة المهنية أو الحياة الخاصة؛
8- يعد للتلميذ مشكلا حقيقيا لا يكون فيه الحل بديهيا؛
9- تشكل الوضعية فرصة يثري فيها التلميذ خبراته؛
10- تحدد الوضعية وفق المستوى المعرفي للتلميذ.
6/ أهمية الوضعيات- المشـــاكل:
للوضعيات أهمية كبيرة في اختبار المناهج الدراسية وتقييم المدرسة والتمييز بين التقليدية والجديدة منها، ومعرفة المدرسة المنغلقة من الوظيفية. إن الوضعيات بيداغوجية الكفاءة والمردودية وإبراز القدرات والمهارات والمواهب المضمرة والظاهرة. إنها تربية المشاكل والحلول والتعلم الذاتي وتجاوز الطرائق التقليدية القائمة على التلقين والحفظ وتقديم المعرفة والمحتويات بواسطة المدرس إلى التلميذ السلبي. كما أن تربية الوضعيات هي التي تفرز الكفاءات والقدرات العقلية وتربط المدرسة بالواقع وسوق الشغل ليس من خلال الشواهد – المؤهلات بل من خلال الشواهد – الكفايات. بيد أن هذه الوضعيات والكفايات ليست عصا سحرية لمعالجة كل مشاكل وزارات التربية والتعليم كاكتظاظ التلاميذ في الفصول الدراسية، وتكوين المدرسين، وإيجاد الحلول المناسبة للوضعية الاجتماعية للمدرسين، وتوفير الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية، بل إن طريقة التعليم بالكفايات والوضعيات طريقة بيداغوجية لعقلنة العملية الديداكتيكية وتفعيلها بطريقة علمية موضوعية على أسس معيارية وظيفية وربط المدرسة بالحياة والشغل وسوق العمل وحاجيات أرباب العمل والمنافسة ومقتضيات العولمة، وكل هذا يتطلب تغيير عقلية الإدارة والمدرس والتلميذ والآباء والمجتمع كله. ولا ينبغي أن تبقى الوضعيات والكفايات في إطارها الشكلي أو بمثابة موضة عابرة أو حبيسة مقدمات الكتب المدرسية وتوجيهات البرامج الدراسية وفلسفتها البعيدة كغايات ومواصفات مثالية نظرية بدون تطبيق أو ممارسة فعلية وميدانية. وهنا أستحضر قولة معبرة بكل وضوح لما نريد أن نقصده لمبلور الكفايات فيليب پيرنو:”إذا ظلت المقاربة بالكفايات على مستوى الخطاب لهثا وراء الموضة، فإنها ستغير النصوص لتسقط في النسيان… […] أما إذا كانت تطمح إلى تغيير الممارسات، فستصبح إصلاحا من “النمط الثالث” لا يستغني عن مساءلة معنى المدرسة وغايتها”(15).”
المراجـــع والمـــــصادر:
1 – GILLET , P : « L’ utilisation des objectifs en formation , contexte et évolution » Education permanent , Nr :85 , octobre 1986 , p :17-37 ;
2- بيير ديشي: تخطيط الدرس لتنمية الكفايات، ترجمة عبد الكريم غريب، منشورات عالم التررية، مطبعة دار النجاح الجديدة، الدار البيضاء، ط1، 2003، ص: 121؛
3- باولا جونتيل وروبيرتا بنتشيني بناء الكفايات: مقابلة مع فليب پيرنو)، الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة، تعريب: محمد العمارتي والبشير اليعكوبي، مطبعة أكدال، الرباط، ط1، 2004، ص:41؛
4- د. محمد الدريج: الكفايات في التعليم، المعرفة للجميع، أكتوبر 2000، العدد16، ص: 61؛
5- ابن منظور: لسان اللسان، ج 2، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1ن 1993، ص:743؛ والمعجم الوسيط لأحمد حسن الزيات وآخرين، المكتبة الإسلامية، استانبول، تركيا، ص: 1039؛
6- Oxford advanced learner’s, Dictionary Oxford university press 2000 ; p : 1109 ;
7- Ibid, p : 247 ;
8- Paul robert : Le Petit Robert, Paris, éd, 1992, p : 378 ;
9- Ibid, p : 1820 ;
10- بيير ديشي: تخطيط الدرس لتنمية الكفايات، ص:181؛
11- د. محمد الدريج: نفس المرجع السابق، ص: 60؛
12- رائعو هرت بصدد المقاربة عبر الكفايات هل نحتاج إلى عمال أكفاء أم إلى مواطنين نقديين؟)، الكفايات في التدريس بين النظرية والممارسة، مطبعة أكدال ،الرباط،ط1/ 2004، ص:49/ 50؛
13- A regarder : A , IRRIBANE : « La compétitivité, Défi Social, Enjeu éducatif », CNRS, Paris, 1989 ;
14- Astolfi, j, p : « Placer les élèves en situation – problème ? », dans Probio revue, 16, 4, Bruxelles : Association des professeurs de biologie (ASBL) ,1993
15- حسن بوتكلاي مفهوم الكفايات وبناؤها عند فيليب پيرنو)، الكفايات في التدريس بين التنظير والممارسة، مطبعة أكدال، الرباط، ط1، 2004، ص:24
منقـــــــــــــول
[right]